…من الإنبتات إلى التجذر، كانت دائما، أمي

.في جلسة نسائية بين ثلاثينيات رائعات تقاطعت حكاياتنا بشكل سلسل وعفوي حتى كادت تشكل سردية واحدة عن أمهاتنا

جيل الهدم، أو جيل الهضم 

.نحن بنات جيل الثورة، ورثنا تجربة التحرر المجهضة أمهاتنا

.ورثنا تذبذبهن بين مفاهيم متناقضة ومتصارعة عن الحرية والأمان والاستقلالية والزواج والعائلة والأمومة

.ورثنا عن أمهاتنا الحداثة، الأصالة، الأصول، الدين، الفسيفسائية العجيبة لل « مرأة » التونسية

ورثنا عنهن إصرارا شيطانيا، لابتلاع الإمكانيات كلها دفعة واحدة، هضم التناقضات المركبة، التعامل مع مشاع اجتماعي مثير للفصام والارتباك والتعثر والتناقض والجنون

ورثن عنهن التعب والإرهاق والثقل والاستنزاف والتأهب المستمر والقلق والذنب

لأمهاتنا تركة هائلة من الذنب. ونحن ذاتنا، نلومهن بشدة وإصرار وغضب
.لأجل الضبابية: الوفاء لنمط حداثي والمحافظة على الذكورية والأبوية والتمييز بذات الوقت، بذات الجهد، بذات الإخلاص

لقد راهن النظام البورقيبي على أمهاتنا لبناء دولة الحداثة الأبوية العائلية المحافظة المعتدلة. ونجح في رهانه
أمهاتنا بنات النظام، جنوده، ودرعه
ونحن بنات أمهاتنا، نتصارع معهن ونعود إليهن دائما

نحن في تقديري جيل الهضم وكل هذه العسورة في الفهم والتراوح بين القبول والرفض، الانتماء والسخط، التعب والأمل، الرغبة العنيفة في هدم كل شيء والتمسك العفوي، العاطفي ب « ثوابت » دولة الحداثة التي نريدها حرة من الأبوية و العائلة النواة الهرمية 

أنا ابنة أمي… ابنة لخالاتي وابنة لأمهات صديقاتي ومديرات في العمل


هوية مشتة أم ثرية مركبة 

.لطالما توهمت أننى مشتتة التركيبة

وكنت أعود باللوم غالبا إلى أمى وإلى الجيل السابق كافة

لم لم يكن الدرس مفهوما؟

لم لم تكن التوصيات المتوارثة معقولة، منسجمة ومتناغمة؟

لم لم تكن طريقنا معبدة كما وعدتمونا؟

لم يجب إعادة تربية نفسى مجددا وإعادة ترتيب ذهنيتى الداخلية؟

لم يجب أن أبحث وحدى عن مراجع وأسس ومثل عليا تنسجم مع تطلعاتى؟؟

لم ضمن هذا المشاع العظيم سأشكل وحدى سرديتى؟؟

أهجئ دوري، حدودي مشروع حياتي؟ لم ولدت يتيمة؟
عشت في مصر لأكثر من سنة، حيث خابرت الغربة و واجهت ثقافة  قومية، مركزية، دون أي سابق معرفة أو تعريف و وجدت نفسي أقدم نفسي بكوني تونسية 

أمام ضغط عنيف جدا ودغمائية ثقافية ساحقة، إكتشفت إجاباتى الثقافية العفوية، متماسكة، واضحة، متكاملة أكثر صلابة من حجر الصوان

وجدت فى داخلى إجابات عميقة من أصول متجذرة. هي إرث أمى وجداتى وأمهات جداتى

كان لا بد من تهديد حقيقى بالقطع والإنقطاع، لأكتشف إنتمائى الطبيعى والثقافى لأمى وجيل أمهات كامل

خطاب متناقض أم تجربة تحتاجنا لتكتمل ؟

أمام أسئلة الحياة الضاغطة وجدت أن رصيدى وإرثى صلب، عتيد، واضح وقطعى فى مواجهة أكثر الثقافات دغمائية وسلطوية

كما تحاك الزربيات بدقة عجيبة وتمازج رهيب
وكما تتشكل الفسيفساء من جزيئات صغيرة مختلفة. وكما تتطعم الأشجار بأصول مختلفة

عرفت أن هناك إنسجاما خلفيا لدروس أمى المتناقضة

..وتركيبة بألوان لكل ما كان يبدو لى نشازا ساطعا

كل ما إعتقدت أنه قصورا رهيبا… كان مجرد أسئلة معلقة تبحث عن إجابات

والفراغات كانت تنتظرنى لإضافات جديدة مع عسر الهضم وألم الأمعاء

ورثت من أمى، من أمهاتى، تراثا ثمينا من التجارب والحكايات والحيل والإرادة والصبر والذوق وفنون التعامل ودروس الإدارة و صفات للطبخ. وورثت أملها الساطع، الغير قابل للمساومة

أمل خليف 

Laisser un commentaire